وَجَدَتْ سِيَرُ القديسين المحفوظة في تراث الأقباط بلُغَاتها المختلفة اهتمامًا استثنائيًّا. في أكثر هذه السِّيَر يمكننا أن نرى طبقاتٍ من عصور مختلفة وتقاليد ذات مصادر متباينة جغرافيًّا ولغويًّا وأحيانًا عقائديًّا، لكنها تشترك جميعًا في الفكرة نفسها؛ فكرة البطل المنتصر إلى النهاية، لكنها بطولة تختلف في مفهومها عن غيرها في التراث السابق على المسيحية. فموت القديس أو استشهاده هو انتصار، ومعاناته الألم والضعف والاضطهاد هي دلائلُ قوةٍ وعلاماتُ تَفَوُّقٍ وآياتُ تأييدٍ سمائي.

لا تخرج سيرةُ الأرشيمندريت أنبا شنوده عن هذا الإطار، ولا تشذ عن هذه القواعد؛ فقد وصلت إلينا في لغاتٍ مختلفة وفي صِيَغٍ متباينة وأطوالٍ متفاوتة. ما يجمع بينها أكثر مما يميز إحداها عن الأخرى. وكلها معًا شاهدة على اهتمامٍ بسيرة رجلٍ متفرِّد في نمطه، شديد الاعتداد بنفسه، شديد الإخلاص للطريق التي اختارها لحياته، شديد العزم وصلب الإرادة، لا يثنيه عن هدفه عائقٌ، ولا يُرَوِّعه صاحبُ سلطانٍ أو ذو جاهٍ. كان يقينُه بأنه رسول السماء، يوحَى إليه بما يتكلم وبما يفعل، حاضرًا في كل لحظة من عمره المديد وحياته الشاقة.

يقدم هذا المجلد سيرة الأرشيمندريت أنبا شنوده في تقاليدها الثلاثة، العربية والقبطية البحيرية والقبطية الصعيدية، كجزء من التراث المتعلِّق بأنبا شنوده،بعد أن نشرتُ ترجمةً للعديد من عظاته ورسائله، ولا يزال العمل مستمرًا لنشر المزيد منها على التوالي.